المحرر الاقتصادي - سودان سكوب
في ظل استمرار الحرب الدامية التي تعصف بالسودان منذ أبريل 2023، تتزايد المخاوف من الدخول في حلقة مفرغة من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. وفي هذا السياق أصدر بنك التنمية الافريقي تقريرًا تحليليًا شاملاً، يستعرض التحديات البنيوية التي تعيق التعافي الاقتصادي في السودان، ويربطها بشكل مباشر بعسكرة الاقتصاد والفساد الممنهج، وانهيار مؤسسات الدولة.
تزامن ذلك مع ما خلصت إليه الدراسة التي أعدها فريق الخبراء الاقتصاديين في "سودان سكوب" ونشرت بتاريخ 26 يونيو 2025، بعنوان "الحرب في السودان ..التراجع الاقتصادي وسبُل التعافي"، والتي حللت مظاهر الانهيار الاقتصادي من زاوية تأثير الحرب على القطاعات الانتاجية والمعيشية، وقدمت رؤية أولية لمسارات التعافي الممكنة. وقد توافق التقرير مع ما ورد في الدراسة المشار إليها، على ضرورة وقف الحرب كشرط أول وأساسي للتعافي، حيث لا جدوى لأي اصلاح اقتصادي دون إيقاف الحرب أولاً. بينما أضافت "سودان سكوب" بعدًا إضافيًا يتمثل في ربط التعافي بعملية سياسية شاملة تضمن تفكيك شبكات الفساد وإعادة هيكلة المؤسسات.
أشار تقرير البنك الأفريقي للتنمية، المكون من 33 صفحة (مرفق رابط التقرير) في أهم جوانبه، إلى أنه تنبع نقاط ضعف السودان من عسكرة الاقتصاد، والفساد المُمنهج، وانهيار المؤسسات في ظل ظروف الصراع. ويُؤكد البنك الأفريقي للتنمية أنه بدون معالجة هذه القضايا الجوهرية المتعلقة بالحوكمة والقطاع المالي، سيظل التعافي الاقتصادي بعيد المنال.
نستعرض فيما يلي أبرز ما جاء في التقرير، والذي يمكن إجماله في:
أولاً: من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 12.8% في عام 2024، مقارنةً بانكماش قدره 37.5% في عام 2023، وهو أكبر انكماش في تاريخ اقتصاد السودان.
كما أنه بسبب الحرب التي تدور رحاها حالياً، من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.6% في عام 2025، مع استمرار ضعف أداء الأنشطة الاقتصادية.
ثانياً: من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.3% في عام 2026، بافتراض الوصول إلى اتفاق يُرسي دعائم السلام في عام 2025.
وبناءً عليه، إذا أراد السودان تسريع التحول الهيكلي، فسيحتاج إلى سد فجوة تمويلية قدرها 24.3 مليار دولار أمريكي سنوياً، وهي فجوة لا تغطيها المساعدات الإنمائية الرسمية، أو الاستثمار الأجنبي المباشر، أو الدين الخارجي، أو التحويلات المالية.
ثالثاً: يعتمد اقتصاد السودان اعتماداً كبيراً على موارده الطبيعية، لا سيما النفط والذهب والأراضي الزراعية. وبالتالي هذا يتطلب الاستقرار من أجل تعزيز الاستقرار والاستفادة من هذه الموارد.
رابعاً: أدى الفساد الممنهج وضعف الحوكمة إلى تقويض الاستخدام الأمثل للموارد وعرقلة الاستثمار. كما أن عدم الاستقرار السياسي والصراع يُعيقان الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل كبير. ويخلق الوضع الحالي بيئة غير مواتية للمستثمرين الأجانب، مما قد يؤدي إلى انخفاض حاد في الاستثمار الأجنبي المباشر.
خامساً: يُعد حل الصراعات سليماً عاملاً أساسياً لتحسين الحوكمة والحد من الفساد، مما يؤدي إلى تحسين مناخ الاستثمار، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
سادساً: الآثار والتحديات الناجمة عن الصراع في السودان منذ أبريل 2023م نوجزها فيما يلي:
أولاً: شبكات السلطة المتجذرة
تُعزز سيطرة المؤسسات الأمنية على القطاعات الاقتصادية، وخاصةً خلال الصراع، الفساد وضعف الحوكمة.
ثانياً: الاستحواذ على المؤسسات
في ظل غياب آليات رقابة مستقلة وقوية، تُساء إدارة الأصول العامة بسهولة، وتُخنق الإصلاحات.
ثالثاً: فشل تقديم الخدمات:
تُشلّ العدالة والرعاية الصحية والتعليم وحماية البيئة، مما يُعمّق نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية.
رابعاً: تأثير النزاع على الفساد
تُحفّز الحرب المستمرة النهب واقتصادات السوق السوداء، مما يُغذّي المزيد من التدهور المؤسسي.
تؤكد خلاصات كل من البنك الأفريقي للتنكية و "سودان سكوب" أن المسألة في السودان لم تعد مجرد أزمة موارد أو تراجع في المؤشرات الاقتصادية، بل هي أزمة حوكمة بنيوية في ظل صراع مسلح يغذي الانهيار بوتيرة متسارعة. لا يمكن الحديث عن إعادة إعمار أو إنعاش اقتصادي دون تفكيك اقتصاد الحرب، وإعادة بناء المؤسسات على أسس الشفافية والمحاسبة.
وإذا كان التحدي الاقتصادي جسيمًا، فإن المدخل السياسي لإنهاء الحرب وإعادة هيكلة الدولة هو البوابة الوحيدة الممكنة لبناء سودان جديد يستطيع أن يحقق تنمية حقيقية ونمو اقتصادي يحقق الرفاه والحياة الكريمة لمواطنيه.
رابط التقرير